إحداث ثورة في التعليم: إما النجاح أو الفشل
إحداث ثورة في التعليم: إما النجاح أو الفشل
عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
عندما تخرجت من الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1960، كان الهاتف ذو القرص الدوّار يعد أحد الأعاجيب التكنولوجية. وفي بيئة الفصل، كانت السبورة السوداء والطباشير الأدوات الأساسية للتعليم.
اليوم، وبعد أكثر من 60 عامًا، أفكر، بوصفي عاملًا متخصصًا في مجال المعرفة، في الخطوات السريعة التي خطتها التقنيات الرقمية، وعارفا بالتحديات التي تحملها للأجيال الجديدة، الذين بوسعهم أكثر من غيرهم الإحساس بالفجوة بين التقنيات المتاحة لهم في المنزل، والطريقة التي لا زالوا يتعلمون بها في المدرسة، أقر بأن بعض المدارس في هذا الجزء من العالم تكافح لتحويل التعليم من نظام يتمحور حول المعلم إلى نظام يتمحور حول الطالب، ولكن هذا لا يكفي. هناك حاجة لتغيير النموذج بأكمله، ولإحداث ثورة قبل أن يفوت الأوان.
لقد تشرفت العام الماضي بالمشاركة في قمة "التعليم 4.0"، وهو تجمع بارز، استقطب القادة التربويين وأصحاب الرؤى من مصر والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودافعت فيها عن الحاجة الملحة لإحداث تحول رقمي في المدارس في جميع أنحاء العالم العربي. وأكدت أن مزايا هذا التحول تمتد لأبعد من الرقمنة الظاهرة. فهي تمكّن المؤسسات التعليمية في كل مستوى، وتبث الحيوية في التعليم المهني، وتضمن جاهزية شبابنا للمستقبل الرقمي.
ولقد تعمقت في استكشاف الجوانب المختلفة لهذا التحول الرقمي الحتمي، بدءًا من الحاجة الملحة إلى دمج إنترنت الأشياء في مدارسنا، وفهم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تحسين أساليبنا الدراسية، إلى وضع استراتيجيات قوية لتجربة تعليمية رقمية معززة وجذابة. أعتقد أن قطاع التعليم يجب أن يتبنى هذه التقنيات، ليس بوصفها مجرد أدوات، ولكن بوصفها مساهمًا أساسيًا في رحلة التعلم.
علاوة على ذلك، فإنني أفخر بشدة بالدور الاستباقي الذي لعبته مؤسستي، طلال أبوغزاله العالمية، في توجيه هذه الثورة الرقمية. فلم نرض بأن نكون شهودًا فقط على هذا التحول، ولكننا أردنا قيادته. وقد أدت هذه الرؤية إلى تأسيس جامعة طلال أبوغزاله العالمية الرقمية، التي هي ليست مجرد مؤسسة تعليمية أخرى، ولكنها تمثل التحول في النموذج الذي أدعو إليه. كما تقدم درجات علمية فريدة من نوعها، لا تراعي فقط الصرامة الأكاديمية التقليدية، ولكن أيضًا تعطي الأولوية لإنجازات الخريجين الرقمية المبتكرة. وتتمثل مهمتنا الجماعية بالتعاون مع شركائنا في قيادة مشروع التحول الرقمي الشامل على المستويين الإقليمي والعربي. ويبقى تركيزنا الرئيسي منصبًا على تعزيز ثقافة التعلم الرقمي، خصوصًا بين الشباب، لنضمن أنهم ليسوا مجرد مستهلكين، ولكن أيضًا صناعًا للمحتوى الرقمي. وهذا هو الفارق الرئيسي الذي نحاول أن نفعله: صناعة صناع للمحتوى، بدلًا من تغذية الطلاب بالمعلومات، خصوصًا عندما نعلم أن معرفة العالم تتضاعف بوتيرة سريعة جدًا؛ فالبعض يتحدث عن 12 ساعة مقارنة بقرن كامل في عام 1900، وعشر سنوات في سنة تخرجي في الجامعة الأميركية في بيروت.
لا يتعلق الأمر بمجرد التكيف، ولكن بالتحول على بصيرة. وبينما نحتفي بالتقدم التقني والأبواب التي يفتحها، فمن المهم ضمان ألا يطغى على قيمنا الأساسية وموروثنا الثقافي وجوهرنا الذي يميزنا. بل يجب، عوضًا عن ذلك، دمجها بسلاسة في هذه الحقبة الرقمية الجديدة.
إننا نقف على مفترق طرق، والقرارات التي نتخذها والاتجاهات التي نختارها إما أن تقودنا إلى عصر لا نظير له من النمو والابتكار، أو تتركنا ونحن نلهث للحاق بالركب. وأعتقد أنه بالعزم الجماعي والبصيرة الاستراتيجية، لن نتمكن فقط من اجتياز هذه الأوقات المتغيرة، بل أيضًا قيادتها وتشكيلها وتحديدها لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وأكثر استنارة وشمولًا.
طلال أبوغزاله