الاكتفاء الذاتي شكلٌ من أشكال السيادة التامة

الاكتفاء الذاتي شكلٌ من أشكال السيادة التامة

الزعيم الصيني ماو تسي تونغ رأى أن الاكتفاء الذاتي هو حجر الأساس في استقلال الأمم، وكان يؤمن أن الدولة التي تعتمد على الخارج في قوتها ودوائها وسلاحها، تُعرّض نفسها للهيمنة، مهما رفعت من شعارات السيادة. فالاكتفاء الذاتي، في نظره، ليس مجرد خيار اقتصادي، بل شكل من أشكال السيادة الكاملة.

ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومعه عادت لغة العقوبات والمقاطعات الاقتصادية التي لطالما استخدمها كأداة ضغط، فإنني أرى فيما يراه البعض محنة او تهديدًا، منحة وفرصة ثمينة للدول التي طالما تعودت على الاستيراد والاعتماد على الخارج.

ففي عالم يموج بهوج العواصف، لم تعد السيادة الاقتصادية ترفًا، بل ضرورة. والمقاطعة تفضح العيوب وتفضح نقاط الضعف، وتدفع إلى سؤال يظل يطرح بإلحاح عند كل نازلة: لماذا نعتمد على غيرنا في غذائنا ودوائنا وتعليم أبنائنا.

صحيح أن المقاطعة قد تكون موجعة في بدايتها، لكنها صفعة توقظ الكسول الغافل، وتدفع الدول لأن تزرع ما تأكل وتصنع ما تحتاج، فالأمن الغذائي والدوائي ليس مجرد ملفات في الأدراج، بل هو خط الدفاع الأول أمام أي تهديد خارجي. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وهو القائل " لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي الجبل فيحتطب، فيبيع، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" وهي دعوة نبوية كريمة إلى العمل والكسب الذاتي ولو كان بسيطًا، ففيه كرامة أعظم من التكسّب بالسؤال.

الاعتماد على الذات ليس حلمًا بعيد المنال. لدينا الأرض، والماء، والعقول، والإرادة، ونحتاج إلى قرار، نحتاج أن نؤمن أن ما نزرعه ونصنعه، ولو كان أغلى، فهو أغلى لأنه يحفظ كرامتنا.

في عهد ترامب العائد، حيث السياسة تقوم على القوة والمصلحة، لا بد أن نتحرك، لا ننتظر ما يُملى علينا، بل نكتب مصيرنا بأيدينا. فالمقاطعة ليست نهاية، بل بداية جديدة، لأمم قررت أن تكون حرة، لا رهينة لحسابات الغير.

طلال أبوغزاله