افلاطون الفيلسوف

افلاطون الفيلسوف

كان أفلاطون (٤٢٧–٣٤٧ق.م.) أشهرَ فيلسوفٍ غربي يرى أن الموسيقى بمعناها الكلاسيكي والحديث، ينبغي أن تُستخدَم من أجل تحقيق الأخلاق الصالحة، ولم تكن آراء أفلاطون عن مكانة الموسيقى في المجتمع المنظَّم أصيلةً تمامًا، كما أنه لم يكن أول من بحث في التأثيرات الأخلاقية للموسيقى على الشخصية والسلوك الإنساني. ومع كل ذلك، فسيظل أفلاطون شخصيةً تاريخية فذَّة ينبغي أن نتخذها نقطة بداية في كل بحثٍ للفلسفة الجمالية للموسيقى في الحضارة الغربية. ولم تكن كتاباتُه تتضمَّن مُركبًا جامعًا بين النظريات الشرقية والغربية القديمة فضلًا عن نظريات عصره فحسب، بل إن هذه الكتابات كانت تضُم في داخلها التقاليدَ الموسيقية المتَّبَعَة لدى الجيل الأثيني السابق لجيله هو.

وكان من رأى أفلاطون أن البساطة الموسيقية لا تتعارض مع القانون الطبيعي؛ فإشاراته المتعددة إلى الموسيقى تتضمن الاعتقاد بأن في وسع الموسيقى أن تُتيح للمرء بعث التوافق بين نفسه المتناهية، والنفس اللامتناهية، وذلك عن طريق المزج الرقيق بين أفكاره وأفعاله وبين الأجرام السماوية التي يتم بينها انسجام الأفلاك. أما التخليط الصوتي الصخب فلم يكن، في رأي أفلاطون، غريبًا عن الثقافة اليونانية فحسب،٢٠ بل هو يؤدي إلى التضارب بين النفس البشرية وبين النظام المثالي للأشياء.

ولقد تمسك أفلاطون بالرأي القائل إن الموسيقى ينبغي أن تكون وسيلةً من وسائل دعم الفضيلة والأخلاق. وكان يرى أن الموسيقى أرفع من الفنون الأخرى، على أساس أن تأثير الإيقاع واللحن في الروح الباطنة للإنسان وفي حياته الانفعالية أقوى من تأثير العمارة أو التصوير أو النحت. وهكذا فإن الطفل الذي يستمع إلى المقامات الموسيقية المناسبة تنمو لديه، دون أن يشعُر، عاداتٌ وقدراتٌ مرهفة تُتيح له تميزًا للخير من الشر. وبعد أن تُشكِّل الموسيقى شخصية الطفل، وتجعلَه مستقرًّا في انفعالاته، تكشفُ له دراسة الفلسفة، عن وعي كامل، أسمى أنواع المعرفة.

ولقد كان للموسيقى والرياضة البدنية دَورٌ حيوي في خطة التعليم عند أفلاطون. وكان في رأيه أن الموسيقى ينبغي ألا تتبع الرياضة البدنية، بل إن الواجب — على عكس ذلك — هو أن تسبق الموسيقى الرياضة البدنية وتتحكَّم فيها؛ لأن الجسم لا يهذِّب الروح، وإنما الروح هي التي تشكِّل الجسم. وفضلًا عن ذلك فإن الرياضة البدنية قد تصبح خشنة وتؤدي إلى غلظة الطبع، ومن هنا كان من الواجب تخفيفها وتهدئتها بالموسيقى. ومن جهةٍ أخرى فإن الموسيقى دون الرياضة البدنية قد تبعَث التخنُّث في نفس متذوِّق الفن؛ لذلك فإن المزج بين الموسيقى والرياضة البدنية باعتدالٍ يؤدي إلى تكوين شابٍّ أثيني متَّزن متناسق الطباع.

أهم ما في فلسفة أفلاطون في الموسيقى هو أن الموسيقى، من حيث هي مبحثٌ تعليمي وثقافي، ينبغي أن تُستخدَم في تحقيق أخلاقٍ فاضلة. وقد عَرَض أفلاطون في محاورة «طيماوس» مذهبًا أنطولوجيًّا يتصوَّر العالم على أنه من خَلقِ عناصرَ هندسية. وفي خلال عملية إرجاع الطبيعة إلى أنموذج صوفي من العلاقات العدَدية، أعرب عن الرأي القائل إن الموسيقى قد وُهِبَت للإنسان؛ لكي تجعله يحيا حياةً منسجمة حكيمة، وهكذا أصبحَت للموسيقى وظيفةٌ غائيَّة تساعد على بلوغ الأخلاق الفاضلة.