اللوحات الانطباعية في موسيقى ديبوسي

اللوحات الانطباعية في موسيقى ديبوسي

 

رسم الرسام الانطباعي كلود مونيه (1840-1926) لوحاته، وهكذا أيضا حول كلود ديبوسي (1862-1916) هذه اللوحات دون قصد إلى موسيقى.

في لوحات مونيه الانطباعية، تختفي الشخوص المرئية حتى تكاد تتلاشى تحت لمعان الضوء، وتتألق آشعة الشمس وهي تنشر خيوطها على كل جزء في اللوحة، تتوهج أسطح المنازل وتظهر الألوان الزاهية في المراعي والحدائق، حتى الظلال نجدها ملونة وليست رمادية، فكل شيء في لوحات الانطباعيين يسطع ببريق عجيب.

كان الانطباعيون يرسمون المناظر كما تنطبع في وجدانهم في لحظة معينة من النهار وتحت ضوء الشمس، وليس كما هي عليه بالفعل، فجعلوا من طريقة عملهم تلك ما يميزهم عن طريقة عمل الكاميرا التي كانت لتوها قد ظهرت لتنافس الرسم، ولم يقتصر تأثير الانطباعية على الفن، بل انتشر ليصل إلى عالم الأدب والشعر من خلال بول فيرلين وبودليير وألبير سامان وغيرهم، فكانوا يميلون في شعرهم إلى الانطباعات الذهنية للكلمات عن طريق أصواتها.

أما في الموسيقى فقد تبنى كلود ديبوسي هذا المذهب دون أن يتعمد ذلك، فكل ما كان يريده هو أن يتحرر من الموسيقى القديمة ويخلق شيئا جديدا، ولقد كانت موسيقاه تعبر بشكل جوهري عن التصوير الانطباعي، الذي يختصر العالم في أضواء وألوان وحركة وحالات وجدانية مختلفة، لقد كان مهتما بالمزاج وبالجو أكثر من اهتمامه بالهياكل الموسيقية.

في بداية حياته كان ديبوسي يميل إلى الرسم، ربما يفسر لنا هذا الميل حبه الشديد للأضواء والألوان فيما بعد، يقول الناقد كميل موكلير: إن المناظر الطبيعية في لوحات مونيه هي في الحقيقة سيمفونيات من الأمواج المضيئة، وموسيقى ديبوسي تحمل شبها ملحوظا مع تلك الصور اعتمادا على القيم النسبية للأصوات التي تتحوّل في موسيقاه إلى بقع وألوان ذات رنين وإيقاع".

أظهرت كتابة ديبوسي الموسيقية منذ بداية حياته الفنية استقلالا وأصالة عجيبين، فألف أربعا وعشرين مقدمة للبيانو دون أن يعتمد على أي نوع من النماذج المعروفة، وكل مقدمة تتميز بطابع خاص بها، وألف الكثير من المقطوعات الموسيقية التي تعبر عن نظرته الخاصة للطبيعة والتي تشجع السامع ليتخيل مشاهد وصورا من الطبيعة الحية، واستلهم  ديبوسي من لوحة "الآنسة المختارة" للفنان الانجليزي "دانتي جابرييل روزيتي" أول مؤلفاته الهامة، فقام بموسيقاه برسم صورة سماؤها زرقاء قاتمة ومن وسطها تلمع الدرر المتألقة.

تتميز الموسيقى الانطباعية بأنها لا تعبر عن العواطف العميقة شديدة الذاتية، مثلما عبرت عنها الجزء الأكبر من الموسيقى الرومانسية، فالموسيقى الرومانسية تركز بشدة على قص موضوعات بالغة الحساسية والتي تعبر من خلالها بكثافة عن الفرح والحزن والغضب والموت، لكن الموسيقى الانطباعية بلا شكل محدد، فهي تعكس مشاعر وصور غير واضحة المعالم، تماما مثل اللوحات الانطباعية.

https://www.freepik.com/free-vector/stage-curtain-realistic_1442457.htm#page=1&query=opera&position=3